مقالات وآراء

تفكيك الدولة بعقلية الوكيل.. أبوعلي الحضرمي خريج الضاحية!

في المشهد اليمني المأزوم لم يعد الخطر مقتصراً على الانقلاب المسلح الذي قادته مليشيا الحوثي، بل اتسع ليشمل نماذج سياسية أخرى تمارس ذات الدور ولكن بوسائل أكثر نعومة وخطورة، ومن بين هذه النماذج يبرز خطاب وسلوك أبو علي الحضرمي الذي يعكس بوضوح عقلية خريج الضاحية، لا من حيث الجغرافيا بل من حيث المنهج والفكر وأدوات الاشتباك مع الدولة.

عقلية الضاحية سياسياً لا تؤمن بمفهوم الدولة الوطنية ولا ترى في المؤسسات سوى واجهات يمكن تعطيلها أو تجاوزها متى ما تعارضت مع مشروعها، هي عقلية قائمة على مبدأ القوة أولاً وتغذية الانقسام وتحويل الخلاف السياسي إلى أداة شلل دائم لمفاصل الحكم، وهذا بالضبط ما يتجلى في مواقف الحضرمي التي لا يمكن قراءتها كاجتهادات سياسية عابرة، بل كجزء من مسار متكامل يهدف إلى إرباك الشرعية من الداخل.

المشكلة الجوهرية في هذا النهج أنه لا يقدم بديلاً وطنياً ولا يحمل رؤية دولة، بل يكتفي بتقويض القائم وشيطنة كل ما يمت بصلة إلى مؤسسات الرئاسة والحكومة، وخلق حالة صدام مستمر تُستنزف فيها الدولة وتفقد قدرتها على العمل، وهذا ما سعت إليه مليشيا الحوثي لسنوات طويلة عبر الحرب لكنها فشلت في تحقيقه كاملاً، بينما يحاول خريجو الضاحية إنجازه عبر العبث السياسي والتحالفات الرمادية.

الأخطر من ذلك أن هذا الخطاب يتغذى على شعارات محلية ويختبئ خلف قضايا عادلة في ظاهرها، لكنه في جوهره يستنسخ تجارب الخراب الإقليمي، حيث تتحول القضية إلى غطاء لمشروع هيمنة، ويتحول الخلاف إلى ذريعة لنسف الدولة، وهنا يصبح الانتماء الوطني مجرد لافتة بينما تُدار البوصلة الحقيقية خارج حدود اليمن ومصالحه.

إن من يراقب سلوك خريجي الضاحية يدرك أنهم لا يؤمنون بالشراكة ولا يقبلون بقواعد العمل السياسي ولا يعترفون بمخرجات التوافق، بل يرون السياسة ساحة كسر عظم لا إدارة اختلاف.

ولهذا فإن أي حديث عن إصلاح أو تصحيح مسار في ظل هذا التفكير يظل حديثاً فارغاً ما لم يُحسم الموقف من فكرة الدولة نفسها.

اليمن اليوم يقف أمام لحظة مفصلية: إما ترسيخ مشروع دولة جامعة تُدار فيها الخلافات عبر السياسة وتُحترم فيها المؤسسات، أو الانزلاق نحو نموذج المليشيا المقنّعة التي تتحدث باسم الناس لكنها تعمل ضدهم، ولا يمكن الجمع بين هذين المسارين كما لا يمكن بناء دولة بعقلية الوكيل ولا استعادة وطن بأدوات الفوضى.

إن مواجهة هذا النهج لا تكون بالشعارات ولا بالتصعيد الانفعالي، بل بوضوح الموقف وفضح المشاريع التي تتقاطع – عن قصد أو دون قصد – مع أهداف الحوثي في تفكيك الشرعية، وإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة كخط أحمر لا يقبل المساومة.

فالدولة ليست غنيمة والشرعية ليست ورقة ضغط والوطن أكبر من كل المشاريع الصغيرة مهما حاول أصحابها تسويقها بشعارات براقة أو خطابات عالية السقف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى