أخبار إيجاز

تجارة النفط الحوثية تغوص أعمق في الظل: ناقلات مظلمة وموانئ مستهدفة وعقوبات تُضيّق الخناق

تجارة النفط الحوثية تغوص أعمق في الظل: ناقلات مظلمة وموانئ مستهدفة وعقوبات تُضيّق الخناق

اليمن -

ربما توصلت الولايات المتحدة والحوثيون إلى هدنة في مايو/أيار، لكن الضغوط الاقتصادية الأميركية تدفع بتجارة النفط الحوثية أكثر فأكثر نحو العمل في الظل.

ويُظهر تحليل لبيانات نظام التعريف التلقائي (AIS) وصور الأقمار الصناعية أن الجماعة باتت تعتمد بشكل متزايد على سفن خاضعة للعقوبات لاستيراد النفط، مع تزايد رسو السفن في ميناء رأس عيسى مع إيقاف أجهزة الـAIS.

وتتجه تجارة النفط الحوثية نحو مزيد من السرية في ظل تصاعد مخاطر العقوبات، وموجة من الإدراجات ضمن القوائم السوداء، الأمر الذي قلّص على الأرجح عدد مالكي السفن الراغبين في التعامل مع الحوثيين أو الكيانات الواقعة ضمن مناطق سيطرتهم.

ووفقًا لتحليل بيانات Lloyd’s List Intelligence الخاصة بنظام التتبع الآلي، فقد رست ست ناقلات نفط خاضعة للعقوبات في ميناء رأس عيسى الخاضع لسيطرة الحوثيين منذ أوائل يونيو — وهو عدد يفوق ما تم تسجيله خلال كامل عام 2024.

وفي الوقت ذاته، تشير صور الأقمار الصناعية من Planet Labs ووكالة الفضاء الأوروبية إلى تزايد في عدد السفن التي ترسو في رأس عيسى دون تشغيل أجهزة التتبع خلال الأشهر الماضية، في محاولة على الأرجح لتجنب الإدراج ضمن العقوبات الأميركية.

وحتى تاريخ 21 يوليو، كانت هناك ثلاث سفن راسية في الميناء وأربع في منطقة الرسو الخارجية (Anchorage) وجميعها تُشغّل أجهزة الـAIS، وقد فُرضت عليها عقوبات من قبل الولايات المتحدة أو بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي أو مزيج منها.

وتُظهر صور الأقمار الصناعية أن ناقلة واحدة كانت ترسو دون تشغيل AIS في 19 يوليو، بينما كانت هناك سفينتان "مظلمتان" في منطقة الرسو في 21 يوليو.

قد يُعزى اعتماد الحوثيين المتزايد على السفن الخاضعة للعقوبات إلى النمو الهائل في عدد السفن التي تم إدراجها على القوائم السوداء من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ يناير، حيث قفزت أعدادها بالمئات، ما أدى إلى تناقص توفر الناقلات غير الخاضعة للعقوبات للتعامل مع تجارة رأس عيسى التي تزداد خطورة.

تفاصيل إضافية من "Lloyd’s List Intelligence":

  • تم احتساب السفن "الخاضعة للعقوبات" فقط إذا كانت مصنفة كذلك قبل تاريخ وصولها.
  • العديد من السفن التي بدأت في تفريغ شحناتها في أبريل 2025 غادرت بعد الضربات الجوية الأميركية، ثم عادت لاحقًا (دون مغادرة منطقة الرسو لتحميل شحنات جديدة). وتم احتساب أول وصول فقط في هذه الحالات.
  • الأرقام المذكورة تخص شهر يوليو حتى تاريخ 21 يوليو فقط.

وبدأت هذه الحملة الأميركية ضد تجارة النفط الحوثية بعد قرار إدارة ترامب في مارس 2025 بإدراج الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، وهو ما تزامن مع إلغاء ترخيص عام كان قد أصدره الرئيس بايدن سابقًا، كان يتيح تنفيذ المعاملات المتعلقة بتفريغ شحنات النفط ومشتقاته.

وأصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) في 5 مارس ترخيصًا جديدًا حظر بموجبه هذه المعاملات اعتبارًا من 4 أبريل، ما جعل كل سفينة تُفرغ شحنتها في رأس عيسى بعد هذا التاريخ معرضة للإدراج في العقوبات.

ومنذ ذلك الحين، فرضت واشنطن عقوبات على خمس سفن وعدة شركات شحن وتجار ومؤسسات يشتبه بأنها تعمل كواجهات للجماعة الحوثية.

تجارة الطاقة في الظل.. من الهجمات إلى التهريب

حتى قبل تشديد الرقابة الأميركية وزيادة عدد السفن "المظلمة"، كانت تجارة الطاقة الحوثية تُمارَس في ظروف من الغموض، خصوصًا فيما يتعلق بمصادر شحنات الغاز المسال، والتي ازدادت غموضًا منذ بدء الحوثيين مهاجمة السفن في البحر الأحمر في نوفمبر 2023.

ويُشير تحليل بيانات Lloyd’s List Intelligence إلى أن جميع شحنات الغاز المسال تقريبًا (باستثناء شحنتين فقط) التي تم تفريغها في رأس عيسى خلال الـ20 شهرًا الماضية، تم تحميلها من قبل سفن قامت بإخفاء موقعها باستخدام التلاعب بنظام AIS في الخليج، وهي ممارسة شائعة لإخفاء التحميل من إيران.

وتبرز هذه النتائج جانبًا آخر من العلاقة المتنامية بين الحوثيين وإيران، التي تعززت منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في 2023، وما تبعها من تصعيد حوثي في البحر الأحمر.

توسعة ميناء رأس عيسى

بدأ الحوثيون بتوسعة ميناء رأس عيسى في أواخر 2024، تحسبًا لتشديد العقوبات من قِبل إدارة ترامب. وقال أحد الباحثين المتخصصين في مراقبة الجماعة والاقتصاد اليمني، إن الحوثيين سارعوا إلى استيراد الوقود بكثافة قبل فرض المزيد من القيود، ما تطلّب توسعة البنية التحتية للميناء.

رغم ذلك، لم تكن التوسعة كافية لاستيعاب الكمّ المتزايد من السفن، ما أدى إلى تكدّس الناقلات في منطقة الرسو الخارجية لأسابيع. وبدأ هذا التكدس يتضح بشكل ملحوظ في ديسمبر 2024، وبلغ ذروته في مارس 2025، بحسب بيانات AIS.

تراجع هذا التكدس في مايو، على الأرجح بسبب تردد مالكي السفن في الإبحار نحو رأس عيسى خشية العقوبات الأميركية، إضافةً إلى خطر الغارات الجوية الإسرائيلية أو العنف من قبل الحوثيين الذين أفيد بأنهم احتجزوا بعض السفن تحت تهديد السلاح في أبريل ومايو. لكن الطوابير بدأت تتزايد مجددًا في الأيام الأخيرة، مع وصول المزيد من السفن الخاضعة للعقوبات.

الضربات الجوية الأميركية والهدنة

ضمن عملية سُميت "راكب خشن" (Operation Rough Rider)، شنت الولايات المتحدة ضربات على ميناء رأس عيسى في 17 أبريل، دمرت خلالها أجزاءً كبيرة من الميناء. كما نُفذت ضربات إضافية في أوائل مايو لعرقلة جهود الحوثيين لإعادة تأهيل الميناء.

ووفقًا لوكالة رويترز، فقد دفع تدمير الميناء واستمرار استهدافه الحوثيين إلى السعي لهدنة مع الولايات المتحدة. وأبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب موافقته على إنهاء الحملة التي استمرت 52 يومًا وتكبدت تكاليف باهظة، وأُعلن عن الهدنة في أوائل مايو.

بفضل بنيتها التحتية البدائية، تمكّن الحوثيون من استئناف العمل في رأس عيسى بعد فترة وجيزة.

أزمة التخزين

فقد الحوثيون جزءًا كبيرًا من قدراتهم التخزينية الساحلية بسبب الضربات الجوية الأميركية والإسرائيلية خلال العام الماضي. وبدلاً من منشآت التخزين الأرضية، باتت الجماعة تعتمد على صهاريج النقل البري لتوزيع وتخزين النفط والغاز المسال.

ومع محدودية الخيارات البرية، أصبح التخزين العائم حلًا رئيسيًا، عبر الناقلة العملاقة "يمن" (IMO: 9323948)، التي اشترتها الأمم المتحدة عام 2023 كجزء من عملية إنقاذ لمنع كارثة بيئية، لكن الحوثيين استولوا عليها ويستخدمونها الآن كخزان عائم.

وبينما تسيطر الجماعة على الناقلة، تواصل الأمم المتحدة دفع حوالي 450 ألف دولار شهريًا لتغطية نفقات الطاقم والتأمين والتشغيل.

ومنذ أوائل 2024، أجرت الناقلة "يمن" عدة عمليات نقل من سفينة إلى سفينة (STS)، يُعتقد أنها استخدمت خلالها لتحميل النفط. وفي الشهر الماضي، قامت للمرة الأولى بتفريغ شحنة من النفط لصالح رأس عيسى، من خلال عملية STS مع ناقلة المواد الكيميائية Sea Star 1 (IMO: 9163283) التي حمّلت الشحنة إلى الميناء.

وتُعرّف "Lloyd’s List" السفينة بأنها ضمن "أسطول الظل" إذا شاركت في واحدة أو أكثر من الممارسات المخادعة المرتبطة بنقل شحنات نفط خاضعة للعقوبات من إيران أو روسيا أو فنزويلا، أو كانت خاضعة لعقوبات لتورطها في هذا النوع من التجارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى