أخبار إيجاز

كيف تلاعب الحوثيون بالرمزية الفلسطينية لخدمة أجنداتهم في اليمن والمنطقة؟

كيف تلاعب الحوثيون بالرمزية الفلسطينية لخدمة أجنداتهم في اليمن والمنطقة؟

اليمن -

في تقرير تحليلي جديد صدر عن مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه (ACLED)، كشف المركز الأمريكي أن هجمات جماعة الحوثي على السفن التجارية في البحر الأحمر لا ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالحرب في غزة، بل تخدم مصالح الجماعة السياسية والعسكرية في اليمن والمنطقة، وتُستخدم كأداة تفاوض وضغط استراتيجي.

وأوضح التقرير الذي ترجمه "يمن شباب نت"، أن إعلان الحوثيين عن توسيع عملياتهم في البحر الأحمر بتاريخ 14 نوفمبر 2023 جاء بالتزامن مع دعوة المرشد الإيراني علي خامنئي لفرض حصار بحري على إسرائيل. وشكّل اختطاف السفينة "جالاكسي ليدر" في 19 نوفمبر نقطة تحول رمزية، أعقبتها هجمات على سبع سفن أخرى.

رغم الترويج لتلك العمليات كأعمال "تضامن مع غزة"، يلفت التقرير إلى أن الربط بين التصعيد الحوثي ومسار الحرب في غزة يعدّ تبسيطًا خاطئًا. فالبيانات تُظهر أن الحوثيين استخدموا هذه الهجمات لخدمة أجندات محلية وإقليمية، وليست تعبيرًا عن موقف مبدئي تجاه القضية الفلسطينية.

هجمات متزامنة مع الضغوط الأمريكية واليمنية

يؤكد التقرير أن التصعيد الكبير في الهجمات الحوثية تزامن مع تحولات تتعلق بمصالح الجماعة، لا مع تطورات ميدانية في غزة. ففي فبراير 2024، صعد الحوثيون هجماتهم بعد أن أعادت الولايات المتحدة تصنيفهم كـ"جماعة إرهابية عالمية".

 وفي مايو 2024، جاءت موجة تصعيد أخرى بعد خطوات الحكومة اليمنية لضبط القطاع المالي وتقويض مصادر تمويل الحوثيين، بالتوازي مع غارات أمريكية مكثفة على مواقعهم الحيوية.

شهد أواخر مايو 2024 أعلى وتيرة هجمات على السفن التجارية في أسبوع واحد، وبلغ التصعيد ذروته في يونيو ويوليو، حيث استخدم الحوثيون قاربًا مسيرًا جديدًا يُدعى "طوفان" لإغراق ناقلة البضائع اليونانية "توتور"، في تطور غير مسبوق.

لكن ما إن تم التوصل إلى اتفاق اقتصادي بوساطة سعودية قضى برفع الحكومة اليمنية قيودها المالية عن الحوثيين، حتى توقفت الهجمات بشكل كامل، ما يعزز فرضية أن الجماعة تستخدم الهجمات كورقة تفاوضية، لا كجزء من التزام مبدئي.

توقف الهجمات رغم استمرار حرب غزة

بعد اتفاق يوليو 2024، توقفت الهجمات الحوثية على السفن التجارية لمدة أسبوعين مع استمرار المحادثات السعودية – الحوثية بشأن خارطة طريق أممية للسلام. ومنذ سبتمبر حتى ديسمبر 2024، اختفت الهجمات كليًا، رغم استمرار الغارات على غزة واتساع نطاق المواجهات الإقليمية.

الاستثناء الوحيد كان في أغسطس 2024، عندما استُهدفت ناقلة النفط اليونانية "MV Sounion" بهجوم نسبه التقرير إلى فصيل حوثي متشدد أراد إفشال مسار التفاوض مع السعودية، ما يكشف انقسامات داخلية داخل الجماعة حول مسار التهدئة.

ويرجّح التقرير أن استنزاف ترسانة الحوثيين بفعل الغارات الأمريكية دفعهم لتقليص الهجمات البحرية، حفاظًا على مخزونهم من الطائرات المسيّرة والصواريخ.

كما تعتمد الجماعة على استراتيجية "الضربات الرمزية" ذات التأثير النفسي الكبير دون استنزاف فعلي للموارد، في إطار ما يصفه التقرير بـ"المكاسب الهامشية"، وهي سياسة قائمة على الحد الأدنى من الهجمات لتحقيق أقصى قدر من التضخيم الإعلامي والاستراتيجي.

 التضامن كقناع.. والمصلحة هي المحرك

استغل الحوثيون أزمة البحر الأحمر لتعزيز مكاسبهم الداخلية، حسب التقرير. فقد تجاوز عدد المظاهرات الموالية لفلسطين التي نظمتها الجماعة منذ أكتوبر 2023 كل أشكال التعبير السياسي الأخرى في اليمن. كما وفرت الأزمة دفعة كبيرة لحملات التجنيد، حيث يُقدّر عدد مقاتلي الجماعة حاليًا بحوالي 350 ألفًا.

من جهة أخرى، مكّنت الغارات الأمريكية والإسرائيلية الحوثيين من تشديد القبضة الأمنية وقمع المعارضة الداخلية تحت ذريعة "التآمر مع العدو".

يُبرز تقرير ACLED أن الخطاب الحوثي بشأن غزة لا يعكس نوايا الجماعة الحقيقية، بل يُستخدم كقناع سياسي لتبرير هجمات تخدم مشروعهم الخاص. وبينما يظهر الحوثيون كقوة "مقاومة" إقليمية، إلا أن سلوكهم الميداني مرتبط بحسابات معقدة، تدور في فلك الحفاظ على النفوذ، وتأمين الموارد، وتعزيز أوراق الضغط في مسارات التفاوض.

كما يقدّم التقرير صورة مختلفة عن الرواية والسردية السائدة، ويكشف تلاعب الحوثيين بالرمزية الفلسطينية لخدمة مشروعهم الفئوي، مؤكدًا أن الصراع في البحر الأحمر لم يكن يومًا من أجل غزة... بل من أجل الحوثي أولًا وأخيرًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى