تناقضات حوثية تكشف ارتباك الجماعة بعد اتفاق التهدئة مع واشنطن
تناقضات حوثية تكشف ارتباك الجماعة بعد اتفاق التهدئة مع واشنطن

اليمن-
كشفت تناقضت في تصريحات قيادات عليا حوثية، بشأن اتفاق وقف التصعيد العسكري مع الأمريكيين الذي أعلن عنه مساء أمس، عن ارتباك واضح في موقف الجماعة، بعد أكثر من شهر ونصف من العمليات العسكرية الأمريكية.
وأمس أعلنت سلطنة عُمان نجاحها في "التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين، وفي المستقبل، لن يستهدف أي منهما الآخر، بما في ذلك السفن الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب، وبما يؤدي لضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي".
وجاء هذا الإعلان، مباشرة، عقب تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب أكد فيها على أن جماعة الحوثيين استسلمت، وأبلغتهم بالتوقف عن استهدف السفن، مقابل إيقاف واشنطن عملياتها العسكرية ضدهم في اليمن.
وقال ترمب، على هامش لقاء جمعه برئيس الوزراء الكندي مساء أمس، إن الحوثيين أبلغوهم صراحة بقولهم: "رجاء توقفوا عن قصفنا وسنتوقف من جانبنا عن استهداف السفن"، مضيفا: "أقبل كلمتهم بأنهم سيوقفون هجماتهم، وقررنا وقف قصفنا بشكل فوري".
تناقضات حوثية
من الواضح أن هذه التصريحات أثارت غضب ميليشيا الحوثي، التي لم تنفي الاتفاق، لكنها حرصت على نفي أن تكون قد استسلمت فعلا، كما زعم الرئيس الأمريكي "ترمب".
وأثناء ذلك؛ ظهرت تناقضت واضحة في تصريحات قيادات عليا في الجماعة، نشرتها وكالة "سبأ" التابعة لهم تواليا، بشأن من هو الطرف الذي سعى إلى التهدئة وطالب بإيقاف التصعيد العسكري؟!
ففي حين أكد رئيس الوفد المفاوض للحوثيين محمد عبد السلام، المتواجد في سلطنة عمان، على أن الأمريكيين هم من طالبوا بوقف التصعيد، فقد ناقضه رئيس المجلس السياسي للجماعة مهدي المشاط، بتأكيده أنهم من أبلغوا الأمريكيين بشكل غير مباشر..
وبحسب الوكالة، قال عبد السلام في تصريحات لقناة المسيرة مساء أمس: "نحن تلقينا الطلبات من أمريكا عبر سلطنة عمان، والذي تغير هو موقف الأمريكي أما موقفنا فثابت".. لافتا إلى أن ما صرح عنه الأمريكي من مزاعم "الاستسلام" هو تعبير عن العجز والفشل وهو لم يتمكن من حماية السفن الإسرائيلية.
وبعدها بدقائق قليلة فقط، نشرت الوكالة، تصريحات خاصة لمهدي المشاط، أكد فيها على انهم من أبلغوا الأمريكيين وليس العكس، قائلا: "أبلغنا الأمريكي بشكل غير مباشر أن استمرار التصعيد سيؤثر على زيارة المجرم ترامب للمنطقة، ولا شيء غير هذا أبلغناهم به". وأضاف: "وإذا أراد المجرم ترامب وقف عدوانه وتعويض ما خلفه فهذا راجع إليه".
وتكشف هذه التناقضات عن ارتباك واضح داخل الجماعة، التي تعرضت لسلسلة من الغارات الجوية الأمريكية المكثفة، منذ منتصف مارس الماضي، طالت مواقع عسكرية، ومخازن سلاح، ومنصات إطلاق الصواريخ، واستهدفت عدد من قياداتها العسكرية، فضلا عن أنها دمرت منشآت اقتصادية كبيرة كانت تدر على الجماعة إيرادات مالية طائلة.
ويعتقد مراقبون أن النجاح الذي حققته سلطنة عمان، مؤخرا، بإيقاف التصعيد بين الجانبين، قد يكون له علاقة مباشرة بتحريك المفاوضات المتعثرة بين واشنطن وطهران حول برنامج إيران النووي. ما يجعل الحوثيين خارج المشهد، كمجرد متلقيين للنتائج، دون معرفتهم ما يدور خلف الكواليس على وجه الدقة.
وكانت شبكة الـ (CNN) الأمريكية أكدت أن المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترامب ستيف ويتكوف، الذي قاد محادثات إيران، عمل أيضًا على التوسط لوقف إطلاق النار مع الحوثيين.
ولا يستبعد أن تكون سلطنة عمان، قد أبلغت الحوثيين، وحلفائهم الإيرانيين، بمخاوفها من وجود نية حقيقية لتنفيذ معركة برية حاسمة ضدهم من قبل قوات الشرعية، وستبدأ بمجرد الشعور بأنهم قد وصلوا مرحلة من الضعف تسمح باجتثاثهم بسهولة، مع استمرار العمليات العسكرية الجوية الأمريكية.
تهدئة أمريكية بعد تصعيد إسرائيلي
في الجانب الآخر؛ جاء هذا الاتفاق في ظل تصعيد إسرائيلي عسكري كبير ضد الحوثيين، بدأ منذ يومين، عقب استهداف مطار "بن غوريون" الإسرائيلي بصاروخ باليستي الأحد الماضي (4 مايو).
وفي اليوم الأول من استئناف تلك العمليات، يوم الاثنين، أكد مسئولون إسرائيليون أن الهجوم تم بالاشتراك مع الأمريكيين. إلا أن إعلان اتفاق التهدئة أمس، بشكل مفاجئ، جاء ليضع علامات استفهام كبيرة حول تلك الشراكة، في الوقت الذي يضفي فيه مزيدا من الغموض حول طبيعة وأهداف الاتفاق نفسه.
وربما يكون الرئيس الأمريكي قد أضطر فعلا إلى الضغط على الوسطاء العمانيين بهدف قسر أصدقائهم الإيرانيين على إيقاف التصعيد من قبل حلفاؤهم الحوثيين، قبل زيارته الموعودة إلى المملكة العربية السعودية مطلع الأسبوع القادم. وفاجئ ترمب الجميع بإعلان الاتفاق على التهدئة ووقف التصعيد، ربما قبل استكمال بنوده بصورتها النهائية. الأمر الذي أضطر معه الوسيط العماني إلى إعلان التوصل إلى الاتفاق المذكور بعد إطلاق ترمب تصريحاته المهينة للحوثيين بساعات قليلة.
ولا يشمل الاتفاق خفض التصعيد كليا بين الحوثيين والإسرائيليين. فبحسب ما أكدته المتحدثة باسم الخارجية الأميركية أمس، فإن الاتفاق "يتعلق فقط، بوقف هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر".
وتشير هذه التصريحات إلى أن الحوثيين ملتزمون، بموجب الاتفاق، بعدم استهداف (كافة) السفن المارة في البحر الأحمر، بما في ذلك السفن الإسرائيلية. لكنها لا تشير إلى إيقاف الحرب العابرة للبحار والحدود، المتبادلة داخل أراض الطرفين!!
لكن القيادي الحوثي محمد عبد السلام، وهو رئيس المفاوضين، أكد ضمن تصريحاته لقناة المسيرة، أمس، أن "موقف اليمن من القضية الفلسطينية وإسناد غزة لن يتغير"، وبالتالي فأن "عمليات اليمن المساندة لغزة لا يمكن أن تتوقف". دون أن يوضح ما إذا كان يقصد بذلك عدم التوقف عن استهداف الأراضي الإسرائيلية فقط، أم سيشمل ذلك السفن الإسرائيلية المارة في البحر الأحمر، أيضا؟
مآلات الخفض والتصعيد
كان العدو الإسرائيلي قد أكد، مع بداية هجماته الأخيرة، أن عملياته ستستمر، وتتصاعد أكثر، حتى يتم تدمير قدرات الحوثيين بشكل كامل. لكن حكومة تل أبيب أعلنت أمس، بشكل مفاجئ، أنها أكملت الرد على الحوثيين، عقب تنفيذها غارات عنيفة ومدمرة على مواقع معظمها مدنية وحيوية في العاصمة صنعاء ومحيطها.
ويعتقد البعض أن هذا الإعلان المفاجئ، جاء مدفوعا بتطمينات من واشنطن لحليفها الاستراتيجي في المنطقة (إسرائيل) بعدم التعرض لأي استهداف من الحوثيين بعد الآن، بناء على اتفاقات مع إيران عبر الوسطاء.
وعلى أية حال؛ من المرجح أن ينجح الوسطاء والحلفاء في الحفاظ على التهدئة خلال الأيام القادمة، إلى أن ينتهي الرئيس الأمريكي من زيارته الموعودة إلى السعودية مطلع الأسبوع القادم. بعدها، قد تستمر، أو تنتكس، بناء على التقدم، من عدمه، في المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول الملف النووي، بدرجة أساسية.
ومع أن تصريحات الحوثيين لا توحي بإمكانية حدوث ذلك لوقت طويل، إلا أن حاجتهم إلى استعادة بناء قدراتهم العسكرية والاقتصادية، بعد كل هذا الدمار الذي تعرضوا له، قد يدفعهم إلى التزام التهدئة وعدم التصعيد، إلا من بعض المناوشات البسيطة، وغير المؤثرة، بين الحين والآخر.