موجة الاعتقالات تكشف انهيارات أعمق.. هل دخل الحوثيون في مرحلتهم الأكثر ضعفاً؟
موجة الاعتقالات تكشف انهيارات أعمق.. هل دخل الحوثيون في مرحلتهم الأكثر ضعفاً؟

اليمن -
يواصل الحوثيون في اليمن فرض القمع حمايةً لسلطتهم التي تعاني التفكك، في وقتٍ تتعثر فيه إيران وتتغير الحسابات الإقليمية بشأن اليمن. ورأت صحيفة تركية أن "موجة القمع تكشف عن انهيار أعمق، وحركة تفقد مسارها، وقيادة بلا شرعية، وأيديولوجية مُفرغة من معناها".
ووفق افتتاحية صحيفة «Daily Sabah» التركية "لم يعد الحوثيون قادرين على القيادة بالقناعة أو الحكم بالكفاءة، قبضتهم الآن تعتمد على الترهيب وحملات لا تنتهي ضد أعداء مُتخيلين".
ويأتي ذلك بينما ينزلق الشرق الأوسط نحو عاصفة جديدة، أكثر غموضًا من أي عاصفة سابقة في التاريخ الحديث، فما بدأ كصدامات محدودة بين إسرائيل وإيران يُعيد الآن تشكيل موازين القوى في المنطقة.
في هذه اللحظة المتوترة، ينجرف الحوثيون في اليمن نحو الخطر، فلم تقتصر الضربة الإسرائيلية التي قضت على جزء كبير من حكومتهم على قتل القادة فحسب؛ بل قضت على هالة مناعتهم وكشفت مدى اعتمادهم على ضعف قوة إيران. بحسب افتتاحية الصحيفة.
ويسوق الحوثيون أنفسهم بأنهم طليعة المقاومة، وحُماة الإيمان والسيادة في وجه التهديدات الخارجية لكن -بحسب الصحيفة- "منذ الضربة انهارت تلك الصورة ليتحول تحديهم إلى الداخل، وحل محله الشك والانتقام".
ونظرًا لهوسهم بالسيطرة يقوم قادة الحوثيين الآن بتطهير صفوفهم، ومطاردة من يُفترض أنهم خونة، وإسكات المعارضة. وقالت الصحيفة "ما كان يُزعم أنه حركة تحررية أصبح نظامًا منغلقًا على نفسه يتغذى على الخوف".
من مزاعم المقاومة إلى الاضمحلال
في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أصبح الخوف هو المصدر الحقيقي للسلطة، ففي الأسابيع الأخيرة، حلَّ قضاة موالون محلَّ قضاة مستقلين، مما حوّل المحاكم إلى أداة للسيطرة السياسية. وبينما يُدين الحوثيون إسرائيل والولايات المتحدة باعتبارهم أعداء، فإنهم يُصوِّرون منتقديهم ومعارضيهم على أنهم جواسيس أجانب محولين المعارضة إلى جريمة.
تُظهر الاعتقالات مدى تفاقم هذا الجنون حيث يُعتقل أعضاء سابقون في حزب الإصلاح، وشخصيات مجتمعية، وصحفيون من منازلهم على يد مسلحين، ويُختفون في معتقلات سرية. الرسالة من صنعاء واضحة " الطاعة تعني البقاء والاحتجاجات التي كانت محل إعجاب يوماً ما في السابق لتحديها القوى الأجنبية، تحكم الآن بنفس القمع الذي أدانته في السابق". وفق الصحيفة التركية
وهذه الموجة من القمع تكشف أكثر من مجرد الخوف، إنها تكشف عن انهيار أعمق، وحركة تفقد مسارها، وقيادة بلا شرعية، وأيديولوجية مُفرغة من معناها، فلم يعد الحوثيون قادرين على القيادة بالقناعة أو الحكم بالكفاءة. قبضتهم الآن تعتمد على الترهيب وحملات لا تنتهي ضد أعداء مُتخيلين.
وسرّعت الغارة الإسرائيلية التي قتلت جزءًا كبيرًا من حكومة الحوثيين من انهيارهم الداخلي، وكشف التأكيد المتأخر لمقتل قائدهم الأعلى عن فوضى عارمة في قيادتهم. ورأت الصحيفة التركية "يتصرف القادة المحليون الآن كأمراء حرب، يديرون طرق التهريب ويفرضون الضرائب بمناطق سيطرتهم ما بدا في السابق حركة منضبطة، أصبح الآن يحركه المصلحة الذاتية والبقاء".
في المقابل مشاكل إيران تزيد الطين بلة فالاتفاق النووي انتهى، والعقوبات عادت، وإسرائيل تستعد لضربات جديدة، بينما تتوعد طهران بالانتقام، واقتصاد إيران ينهار، والاحتجاجات تتزايد، ونفوذها في سوريا يتضاءل. وقالت الصحيفة التركية "بالنسبة للحوثيين هذا يعني أموالًا وأسلحة أقل وتوجيهات أقل راعيهم لا يزال قائمًا لكن حمايته تتلاشى".
الدول العربية تستعد
تدرك السعودية والإمارات المشهد المتغير، فلم يكن دور القوات الجوية السعودية في مناورات ATLC-35 في قاعدة الظفرة الجوية مجرد استعراض للقوة، بل كان بمثابة بروفة لتجدد الصراع، ركزت المناورات على مواجهة التهديدات الجوية والصاروخية التي تشبه تكتيكات الحوثيين باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية.
من الواضح أن الرياض وأبو ظبي تستعدان لاحتمال اشتعال الصراع في اليمن مجددًا في حال اتساع نطاق المواجهة بين إسرائيل وإيران. وفق افتتاحية الصحيفة التركية.
في اليمن، يسعى المجلس الرئاسي القيادي إلى تحويل هذا الوضع العسكري إلى سلطة سياسية. وخلال لقائه بالسفير البريطاني، أكد الرئيس رشاد العليمي أن السلام الحقيقي يتطلب سيطرة الدولة على جميع الأسلحة وقرارات الحرب. وعكس تحذيره من تقديم تنازلات جديدة للحوثيين تصاعد الإحباط. ويبدو أن حكومة عدن تعتقد الآن أن الهدنة الهشة قد بلغت منتهاها.
تسير الإمارات العربية المتحدة على نفس النهج، حيث صرّح أنور قرقاش لمبعوث الأمم المتحدة هانز غروندبرغ أن أبو ظبي لا تزال تدعم الدبلوماسية، لكن أفعالها تشير إلى نهج مزدوج. فالقوات المدعومة إماراتيًا، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والوحدات التي يقودها طارق صالح وأبو زرعة المحرمي، تعيد تنظيم صفوفها بهدوء. ويسير الحوار السياسي والتخطيط العسكري جنبًا إلى جنب مرة أخرى.
تسعى الحكومات العربية إلى تجنب حرب إقليمية أخرى، لكنها لا تثق بإيران وتُنسّق السعودية والإمارات ومصر والأردن مع واشنطن، مع الحفاظ على تواصل محدود مع طهران لمنع التصعيد. يتحدثون عن إحياء المحادثات النووية، رغم أن قلة يعتقدون أنها ستنجح. هدفهم الرئيسي هو الاستقرار: حماية التجارة، والحفاظ على أمن اقتصاداتهم، وتجنب الفوضى في أوطانهم.
ورأت الصحيفة "أن اليمن في موقف محرج في هذه المعادلة فالحوثيون، الذين كانوا يومًا شريكًا أساسيًا لإيران في الجنوب، أصبحوا مصدر إزعاج أكثر من مصدر عون، وتُنذر اعتقالاتهم المتهورة وإعداماتهم وتهديداتهم بجرّ طهران إلى صراع أوسع. وحتى في إيران، ينظر إليهم البعض الآن كحمل أو مسؤولية (تستجلب الضرر) أكثر منه شركاء".
العاصفة الوشيكة
المشهد الحالي هو أن المحادثات متعثرة وسلطنة عُمان عاجزة عن إحياء الحوار بين الحوثيين والسعوديين والدبلوماسيين الغربيين كل طرف ينتظر الآخر، والتهديدات تتصاعد من قيل الحوثيين الذين يحذّرون من هجمات جديدة على مواقع نفطية سعودية، بينما تردّ الرياض بتصريحات قانونية عن الدفاع عن النفس الصبر ينفد.
في أنحاء الخليج، يشعر القادة أن ملف اليمن لا يمكن أن يبقى مجمدًا، إذا ارتبطت إيران بإسرائيل، فسيفقد الحوثيون درعهم. القوى الإقليمية تستعد بالفعل، وتربط دفاعاتها، وتعيد تدريب القوات اليمنية لما قد يكون المرحلة التالية.
ووفق الصحيفة "بنى الحوثيون صورتهم على المقاومة، زاعمين قيادة نضال ضد الإمبريالية والسيطرة الأجنبية، أما الآن فقد انهارت تلك الصورة ويحكمون بالخوف، ويعتمدون على حلفاء ضعفاء، ويخفون إخفاقاتهم وراء خطاب الثورة".
وأشارت "ما تبقى في اليمن ليس التحرير، بل التدهور البطيء لحركة فقدت معناها، كشفت الضربة الإسرائيلية ضعفها، وتراجع إيران أسقط درعها، وحاصرتها التحالفات المتغيرة".
إذا استؤنف القتال، فسيكون ذلك مؤشرًا على محاسبة أوسع نطاقًا في المنطقة، فبعد سنوات من الحروب بالوكالة، قد تحاول القوى الإقليمية أخيرًا استعادة السيطرة، سيتوقف مستقبل اليمن على قدرة قادته على تحويل سقوط الحوثيين إلى نظام جديد شامل قبل أن تبتلعهم عاصفة أخرى.



