تهم "التجسس" تطال الجميع.. الحوثيون ينتقمون من اليمنيين بعد توقف حرب غزة
تهم "التجسس" تطال الجميع.. الحوثيون ينتقمون من اليمنيين بعد توقف حرب غزة

صنعاء -
يواصل الحوثيون في صنعاء حملات اختطافات واقتحامات مكثفة شملت شخصيات أكاديمية كبيرة بالإضافة إلى مقار المنظمات الدولية، آخرها مكتب الصليب الأحمر الذي تم اقتحامه الأربعاء، ويبرر الحوثيون ذلك بأنهم يبحثون عن الجواسيس.
واختطفت عناصر من ميليشيات الحوثي الاثنين 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أستاذ علم الاجتماع حمود العودي والمهندس عبد الرحمن العلفي، في ظروف غامضة، في الوقت الذي تواصل الميليشيات شن حملات عشوائية هستيرية تصاعدت مع توقف حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة.
هذه الحملات مستمرة منذ أشهر، تتزايد وتيرتها ما بين الحين والآخر، وعلى طريقة العصابات يقوم الحوثيون باقتحام المنازل ومقرات المنظمات وعمليات اختطاف من الشوارع، ولا تقدم الميليشيات أي تهم واضحة، في حين تواصل الإخفاء القسري لغالبية المختطفين ومنع أهاليهم من زيارتهم.
ولا توجد إحصائيات دقيقة عن المختطفين في الحملات الأخيرة، وأعلنت الأمم المتحدة أن عدد موظفيها المعتقلين لدى جماعة الحوثي ارتفع إلى 59 موظفاً محلياً، في حين أفادت مصادر حقوقية أن عدد المختطفين في محافظة إب خلال الأشهر الأخيرة بلغ 99 شخصاً غالبيتهم من الأكاديميين والتربويين.
هستيريا أمنية
برز من خلال الاختطافات حالة من الهستيريا والتخبط التي تعيشها ميليشيات الحوثي، ومن الشخصيات المستهدفة آخرهم "العودي" و"العلفي" اللذان يرأسان مركزين بحثيين بشكل علني ومفتوح، وسبق للأول أن قاد عدة وساطات لفتح الطرق، وهو أكاديمي معروف في أواخر السبعينات من عمره.
وقال الصحفي فارس الحميري: "فشلت جميع الوساطات (لدى الحوثيين) التي بذلها أكاديميون وشخصيات اجتماعية ورفقاء الدكتور حمود العودي والمهندس عبد الرحمن العلفي ورفيقيهما أنور شعب، لإطلاق سراحهم من معتقل جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين في صنعاء".
في ذات الوقت، اقتحم عناصر الحوثيين مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر الواقع في شارع بغداد بصنعاء أمس الأربعاء، بعد يوم واحد من اقتحام مقر الهيئة الطبية الدولية الواقعة في شارع الخمسين، واحتجزوا موظفين محليين للتحقيق، وعبثوا بمقر الهيئة وصادروا تجهيزاته.
وخلال الأسابيع الماضية، اقتحمت الميليشيات كافة مقرات المنظمات الدولية والأممية في صنعاء، وعملت على ترحيل غالبية الموظفين الأجانب، وأخفت الموظفين المحليين في سجونها. وأعلن رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام -خلال لقاء نائب المبعوث الأممي- أن موظفي الأمم المتحدة متهمون بالتجسس، وسبقه إعلان زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.
ويخلق الحوثيون في وسائل التواصل الاجتماعي حالة من الدعاية لتبرير حملات الاعتقال الواسعة، ويؤكدون أنهم "جواسيس". وخلال الأيام الماضية بثت الجماعة اعترافات لعدد ممن اعتقلوا وقالت إنهم يعملون ضمن خلية تجسس أمريكية إسرائيلية سعودية. لكن الهستيريا المتصاعدة للجماعة تطرح تساؤلاً: هل يعقل أن كل المختطفين جواسيس؟
رفض دعاية الحوثيين
وتعد حملات الاختطاف والقمع ضد اليمنيين جزءاً من سلوك ميليشيات الحوثي منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014. وخلال السنوات الماضية كانت الجماعة تقدم تبريرات مختلفة، غالبيتها تتمحور حول وجود مؤامرة ضدهم، وهذا جعل الجريمة بحق المواطنين سلوكاً ممنهجاً.
ورغم أن ميليشيات الحوثي هددت وبشكل مباشر الملاحة الدولية ضمن عمليات أسمتها بـ"معركة الإسناد" لغزة وتعرضت لضربات إسرائيلية أمريكية خلال العامين الماضيين، إلا أن ردة الفعل بعد توقف الهجمات كانت ضد اليمنيين باعتقالات واسعة لمن ينتقدون الجماعة أو يُصنَّفون بأنهم "غير موالين لها" من الشخصيات الاجتماعية والتربويين.
وتنكشف دعاية الحوثيين المصاحبة للاختطافات بسهولة من خلال الأعداد الكبيرة الذين تم اعتقالهم والاقتحامات الواسعة للمنازل ومقرات المنظمات، حيث ليس من المعقول أن المئات الذين اعتقلوا يعملون جواسيس، وهذا يكشف رغبة حوثية في السيطرة على المجتمع بالقمع واستغلال مشاركتهم في حرب غزة للترويج بأنهم يلاحقون "جواسيس".
وكتب وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان -مخاطباً الحوثيين-: "لا داعي لأن تعتقلوا أحداً، اصبروا علينا قليلاً لأننا نموت ببطء في بيوتنا كل يوم! البلاد كلها تموت، تموت مثل ملدوغٍ ينتظر موته".
وأضاف -بصفحته على "فيسبوك"-: "كشعب نعاني سكرات الموت من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"، وتساءل: "لماذا تعتقلون عالم الاجتماع د. حمود العودي وهو على مشارف التسعين عاماً؟" وقال: "مهما تكن أسبابكم لا يجوز ولا يليق، وكما يقول اليمنيون عاد في المحرمات حرام".
حالة من الشك
تعيش جماعة الحوثي حالة من الشك والارتباك، وبدا ذلك واضحاً من حملات الاختطافات العشوائية. وعبر مناصرون للجماعة عن ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وأكدوا أن هناك سلوكاً متهوراً تمارسه الجماعة التي تواصل الترويج لسردية أنها تلاحق "شبكات التجسس".
وفي ظل تكتم جماعة الحوثي عن خسائرها جراء الغارات الأمريكية والإسرائيلية، تشير التقديرات إلى أن الجماعة تعرضت لاختراق في صفوف قياداتها. حيث أفادت مصادر أن ميليشيات الحوثي اعتقلت العشرات من عناصرها الذين يعملون في المؤسسات الحكومية، ومن أبرزهم أمين سر المجلس السياسي للحوثيين ياسر الحوري، وكل الاعتقالات بدوافع اشتباه.
وحالة القلق والارتباك التي تعيشها الجماعة جعلت هناك صعوبة في التواصل بين قياداتها، حتى إن الوساطات التي كانت تجري لإصلاح التجاوزات أصبحت شبه معدومة، وآخرها اعتقال الأكاديمي حمود العودي، في الوقت الذي يبرز علي حسين الحوثي (نجل مؤسس الجماعة) كمتحكم بالملف الأمني بشكل كلي.
وكتب محمد المقالح -أحد أبرز وجوه الجماعة بعد سيطرتهم على صنعاء-: "شخصياً ولأسباب كثيرة أشعر بالخجل حين يقال لي إن حمود العودي معتقل من قبل عهد أنت محسوب عليه". لكن تعليقات ناشطي ميليشيات الحوثي أبرزت موقف الجماعة، حيث تطابقت تعليقاتهم على أن الاعتقالات هي انتصار لدماء قتلى قياداتهم جراء الغارات الإسرائيلية والأمريكية.
وأضاف -في منشور على منصة "إكس"-: "عندما يتضامن الرأي العام مع من يتم اعتقالهم من أصحاب الرأي - وهم كثير - حتى تغيّبهم السلطة (الحوثيون) تماماً وتضاعف من فترة اعتقالهم لأشهر وربما لسنوات، على عكس ما يحدث في عدن (مناطق سيطرة الشرعية) حيث تسارع السلطات للإفراج".
إلى ذلك دعا عضو المجلس السياسي الحوثي سلطان السامعي سلطات الجماعة الأمنية إلى توضيح أسباب اختفاء حمود العودي، وقال إنه "صوتٌ للسلام وساعٍ لفتح الطرق ووقف الحرب"، واعتبر "أن اعتقال رجل تجاوز الثمانين يُعد عاراً".
هذه التصريحات الحادة من قيادات سياسية في الجماعة تكشف حالة الاختلال والتخبط التي تعيشها الميليشيات بعد الضربات والاختراقات التي تعرضت لها خلال الأشهر الماضية. وأفادت مصادر أن هناك انقطاعاً في التواصل بين قيادات الجماعة بسبب الشك، في الوقت الذي يتحرك بعضهم بتعقيد أمني يحافظ على دائرة ضيقة، وبعضهم لم يظهر على الإعلام منذ فترة طويلة.
سياسة ممنهجة
وبخلاف الدعاية التي تريد جماعة الحوثي تسويقها للرأي العام العربي بعد حرب غزة، مستغلة ما حصدت من إعجاب خلال عامين، فإن اليمنيين ليسوا متفاجئين من سلوك الحوثيين في الانتهاكات الممنهجة، حيث ما زال المئات في سجونها منذ أكثر من عشر سنوات، بعضهم مخفي قسراً.
واعتبرت منظمة سام الحقوقية أن "تصاعد الاعتقالات التعسفية وحالات الإخفاء القسري والتعذيب في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، تحت ذرائع متعددة، سياسية وأمنية وطائفية، تحوّلت إلى أداةٍ لإخضاع المجتمع وإسكات الأصوات".
وقالت في بيان: "أصبح كثيرٌ من السياسيين والصحفيين والأكاديميين والحقوقيين والطلاب خلف القضبان، محرومين من حريتهم، ومجهول مصيرهم منذ سنوات، ولا تقتصر المأساة على الضحايا وحدهم، فخلف كل معتقل أسرةٌ تتجرّع الوجع بصمت".
من جانبها قالت الناشطة الحقوقية إشراق المقطري إن "المئات من المخفيين والمعتقلين مؤخراً في سجون صنعاء وذمار وإب وأمانة العاصمة (محافظات يسيطر عليها الحوثيون) يعيشون أياماً صعبة".
وأضافت -على منصة "إكس"-: "تهم متعددة يصيغها من سيطروا على رقاب سكان تلك المحافظات بالسلاح (الحوثيون)، ويريدون حكمها بالجبروت والمذهب والسلالة، لكن تظل مسؤولية حماية هؤلاء الضحايا تقع على الحكومة المعترف بها دولياً".
واعتبر السياسي والقيادي في حزب الإصلاح عدنان العديني أن "اختطاف الحوثيين للمواطنين سياسة ثابتة ومستمرة، تُنفَّذ عبر حملات متواصلة، آخرها تلك التي امتدت من إب إلى ذمار وصنعاء، وأسفرت عن مئات المختطفين داخل مناطق سيطرتهم".
وقال -على منصة "إكس"-: "هذا الاستهداف المتواصل لرموز المجتمع وكفاءاته يحوِّل مناطق سيطرة الحوثي إلى بيئة قائمة على الترهيب وانعدام الأمان، ويكشف منهجاً يقوم على التعامل مع المجتمع بوصفه خصماً، ما يجري هو استهداف مباشر للناس وحقوقهم".
المصدر: يمن شباب



