أخبار إيجاز

خبيرة أوروبية: وقف الحوثيين لهجماتهم في البحر الأحمر ليس تحولًا بل "مناورة تكتيكية"

خبيرة أوروبية: وقف الحوثيين لهجماتهم في البحر الأحمر ليس تحولًا بل "مناورة تكتيكية"

لندن-

نشر موقع Decode39 الإيطالي، تقريرًا موسعًا حول إعلان جماعة الحوثي تعليق هجماتها في البحر الأحمر، معتبرًا على لسان الباحثة الأوروبية إليونورا أرديماغني أن الخطوة لا تمثل تحولًا استراتيجيًا في مسار الجماعة، بل "مناورة تكتيكية" مؤقتة تندرج ضمن إعادة التموضع المرحلي للحركة، في سياق صراع طويل الأمد.

أرديماغني، وهي زميلة باحثة أولى في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) وأستاذة مساعدة في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو ومعهد أبحاث الشرق الأوسط (ASERI)، تُعد من أبرز الخبراء الأوروبيين في شؤون اليمن والخليج، وتُعرف بتحليلاتها الدقيقة لديناميكيات الجماعات المسلحة في المنطقة.

تصريحات لا يمكن الوثوق بها

ترى أرديماغني أن "تصريحات الحوثيين لا ينبغي أبدًا أخذها حرفيًا"، مشيرةً إلى أن لغتهم السياسية "مشبعة بالدعاية والاستغلال"، وتُستخدم بشكل براغماتي لتحقيق أهداف مرحلية.

وقالت في المقابلة: "الرسالة الكامنة في إعلانهم وقف الهجمات هي محاولة لتأكيد دور عملياتهم في دفع إسرائيل إلى الموافقة على وقف إطلاق النار مع حماس، أكثر من كونها رغبة حقيقية في التهدئة".

وتضيف الباحثة أن وقف الهجمات لا يعني تغييرًا في الاستراتيجية العامة للحوثيين، بل يمثل إعادة تقييم ظرفية بعد سلسلة من التطورات الميدانية والخسائر، من بينها مقتل رئيس أركانهم في غارة إسرائيلية.

"التهدئة المؤقتة تمنحهم وقتًا لإعادة التنظيم، وإصلاح بنيتهم المتضررة، وتعزيز تحالفاتهم، خصوصًا تلك التي تتجاوز إيران"، أوضحت أرديماغني.

تكتيك مزدوج: ضبط النفس الخارجي وقمع داخلي متزايد

تُشير الباحثة إلى أن الحوثيين، في الوقت الذي يوقفون فيه عملياتهم الخارجية، يكثفون من القمع الداخلي في مناطق سيطرتهم، تحت ذريعة "ملاحقة الجواسيس" واستهداف موظفي الأمم المتحدة والصليب الأحمر.

وترى أن هذا النمط السلوكي يعكس الطبيعة الجوهرية للجماعة المسلحة، التي "تحتاج باستمرار إلى عدو خارجي أو داخلي لتبرير نموذج حكمها القسري".

وتضيف: "عندما ترى الجماعة أن الوقت مناسب لتحقيق مكاسب جديدة أو لحماية بقائها، ستستأنف هجماتها الخارجية تحت ذريعة جديدة أو مُعاد تدويرها".

لا اختراقات دبلوماسية متوقعة

رغم الجهود الأممية المستمرة، لا تتوقع أرديماغني أي اختراقات دبلوماسية قريبة في مسار الصراع اليمني، معتبرة أن الحكومة المعترف بها دوليًا ستواصل تركيزها على أولويتين أساسيتين:

1. التخفيف من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تُضعف مصداقية السلطة التنفيذية في عدن.

2. مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات التي تمثل شريان دعم رئيسي للحوثيين.

وتؤكد أن القضيتين "مرتبطتان بشكل مباشر"، إذ إن تقليص قدرات الحوثيين على التهريب يعني في الوقت نفسه إضعاف مواردهم وتمويلهم العسكري.

استعادة صادرات النفط.. شريان الحياة للحكومة

تشدد الخبيرة الأوروبية على أن استئناف تصدير النفط من الموانئ الجنوبية يُعد خطوة أساسية لإنعاش الاقتصاد اليمني، وتأمين الإيرادات اللازمة لتحسين الخدمات العامة ودفع رواتب الموظفين والعسكريين.

وتضيف: "لتنفيذ ذلك، يتعين تأمين الساحل الجنوبي الذي تعرض لهجمات حوثية أوقفت صادرات النفط منذ أواخر 2022".

كما رحّبت أرديماغني بالشراكة الإقليمية والدولية التي تقودها السعودية والمملكة المتحدة لدعم وتطوير خفر السواحل اليمني من خلال التمويل والمعدات والتدريب، معتبرة أن هذا الاتجاه "يسير في الطريق الصحيح" رغم استمرار الحاجة إلى التعاون العسكري المباشر مع التحالف لحماية الموانئ.

وقد أظهرت عمليات خفر السواحل الأخيرة "قدرة متزايدة على ضبط شحنات الأسلحة المهربة"، في مؤشر على تحسن الأداء المؤسسي الأمني في هذا الملف الحيوي.

أهمية مكافحة التهريب

ترى الباحثة أن مكافحة تهريب الأسلحة تمثل إحدى القضايا القليلة التي "توحّد المؤسسات اليمنية دون انقسامات داخلية"، معتبرة أن تقليص تدفقات الأسلحة إلى الحوثيين لا يضعف قدراتهم الهجومية فحسب، بل يحد أيضًا من مصادر تمويلهم ويكشف امتداد شبكاتهم العابرة للحدود، خاصة مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وحركة الشباب الصومالية.

بالنسبة لإيطاليا وأوروبا، تشير أرديماغني إلى أن استقرار البحر الأحمر يمثل مصلحة استراتيجية عليا، بعد عامين من اضطراب الممر الهندي-المتوسطي الذي يربط أوروبا بآسيا.

فقد أدت الهجمات الحوثية إلى تحويل مسارات التجارة عبر رأس الرجاء الصالح، ما أضعف تنافسية الموانئ الإيطالية ورفع كلفة الشحن، في ضربة مباشرة للنظام اللوجستي الأوروبي.

وترى الباحثة أن خفض التصعيد المستقر يمكن أن يعيد "الاعتبار للدور الإيطالي" في المنطقة، سواء دبلوماسيًا عبر تعزيز الشراكة مع السعودية والإمارات وسلطنة عُمان، أو اقتصاديًا عبر استعادة التدفقات التجارية الطبيعية عبر قناة السويس.

خلاصة التقرير

يخلص تحليل أرديماغني إلى أن توقف الهجمات الحوثية في البحر الأحمر ليس نقطة تحول بل مناورة تكتيكية، هدفها إعادة التموضع وإعادة الحسابات بعد ضغوط عسكرية واقتصادية وسياسية.

وفي الوقت الذي تُظهر فيه الجماعة "انضباطًا تكتيكيًا" في الخارج، فإنها تمارس قمعًا أعنف في الداخل لتثبيت سلطتها.

أما على الصعيد الدولي، فتواصل القوى الإقليمية والدولية إعادة ضبط استراتيجياتها ضمن مشهد لا يزال بعيدًا عن التسوية النهائية.

فكما تختم أرديماغني: "استئناف الهجمات لن يعتمد على التصريحات، بل على حسابات الحوثيين المتغيرة للبقاء، والنفوذ، والفرص".

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى