أخبار إيجاز

بعد أسابيع من الغموض والتكتم، اعترفت مليشيات الحوثي نهاية الأسبوع الماضي بمقتل رئيس أركانها محمد الغماري،

بعد أسابيع من الغموض والتكتم، اعترفت مليشيات الحوثي نهاية الأسبوع الماضي بمقتل رئيس أركانها محمد الغماري،

اليمن -

بعد أسابيع من الغموض والتكتم، اعترفت مليشيات الحوثي نهاية الأسبوع الماضي بمقتل رئيس أركانها محمد الغماري، مشيرة إلى أن الحادثة جاءت نتيجة للغارات الأمريكية البريطانية الإسرائيلية المستمرة منذ سنتين، دون تحديد مكان الحادثة أو ملابساتها.
 
ويأتي هذا الاعتراف بعد شهر ونصف من إعلان مماثل عن مقتل رئيس حكومة الجماعة غير المعترف بها ونصف طاقمها الوزاري وعدد من الشخصيات الأخرى.
 
ولم تقدم المليشيات الحوثية الموالية لإيران أي تفسير لوجود نجل صغير للغماري قُتل معه إلى جانب مرافقيه، وهو ما أثار تساؤلات حول طبيعة المكان المستهدف وأسباب وجوده فيه.
 
عمليات إسرائيلية متزامنة وإعلانات متضاربة
 
في منتصف يونيو الماضي، أعلن الاحتلال الإسرائيلي عن تنفيذ عملية لاغتيال محمد الغماري بالتزامن مع عملية أخرى في طهران، ضمن بداية الهجوم الإسرائيلي على إيران.
 
لاحقًا، ذكر الإعلام الإسرائيلي أن العملية لم تحقق أهدافها، إلا أنه في 28 أغسطس زعم الاحتلال أنه "قضى على نصف الحكومة الحوثية"، وأنه بانتظار تأكيد مقتل وزير الدفاع ورئيس الأركان.
 
وقد نفى الحوثيون حينها تلك المزاعم، إلى أن جاء اعترافهم الأخير بمقتل الغماري ليؤكد صحة جزء من الرواية الإسرائيلية، بينما يظل مصير وزير الدفاع الحوثي محمد العاطفي غامضًا حتى الآن.
 
تناقضات في الرواية الحوثية
 
تتباين روايات الحوثيين بشأن الحادثة، ففي حين وصف مهدي المشاط، رئيس ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى"، اغتيال حكومة الحوثيين بأنه "ضربة حظ" نفذها الاحتلال الإسرائيلي، لم تعلن الجماعة عن أي تحقيق رسمي في هذا الخرق الأمني الكبير.
 
منذ 28 أغسطس وحتى 16 أكتوبرالماضيين، لم يظهر الغماري والعاطفي في أي فعالية عامة، رغم أن وسائل إعلام الجماعة واصلت نشر تصريحات منسوبة إليهما، كان آخرها برقيتان موجهتان إلى الشعب والحوثي بمناسبة ذكرى ثورة 14 أكتوبر.
 
وفي 30 أغسطس، أي بعد يومين فقط من اغتيال الحكومة الحوثية، شنت مليشيا الحوثي حملة اختطافات واسعة استهدفت موظفي المنظمات الدولية ومقراتها في صنعاء، صادرت خلالها أجهزة ومعدات، وارتفع عدد المختطفين إلى 54 شخصًا، اتهمتهم وسائل الإعلام الرسمية الحوثية، بما فيها وزارة الخارجية الحوثية، بالتجسس لصالح قوى أجنبية.
 
اتهامات للأمم المتحدة وتبرير للاختراق
 
في خطابه الأخير، نفى عبدالملك الحوثي أن تكون الغارة "ضربة حظ"، وهاجم منظمات الأمم المتحدة متهمًا برنامج الغذاء العالمي واليونيسف بالتورط في عملية الاغتيال.
 
وقال إن "مسؤول الأمن والسلامة في برنامج الغذاء العالمي" كان على رأس خلية تجسسية شاركت في رصد اجتماع الحكومة الحوثية في حي حدة بصنعاء، وأبلغت الاحتلال الإسرائيلي بالإحداثيات.
 
وأضاف الحوثي أن جماعته حصلت على "معلومات قاطعة" تؤكد تورط تلك الخلايا، وأنها كانت مزودة بوسائل تجسسية متطورة لا تستخدم إلا في أجهزة الاستخبارات العالمية.
 
ووصفها بأنها "أخطر أنواع الخلايا" لأنها تحركت تحت غطاء العمل الإنساني، وادعى أن على رأسها مسؤول الأمن والسلامة في برنامج الغذاء العالمي، مؤكدًا امتلاكه للأدلة القاطعة على ذلك.
 
اختراق استخباراتي وتحول في الاستهداف
 
يرى الباحث اليمني إبراهيم جلال أن مقتل الغماري يمثل "تحولًا نوعيًا في أداء الاستخبارات الإسرائيلية" وقدرتها على اختراق شبكات الحماية الحوثية.
 
وقال إن العملية تعكس تطورًا كبيرًا في جمع المعلومات وتبادلها على المستوى الإقليمي والغربي، مشيرًا إلى أن مقتل الغماري لا يعني انهيار بنية القيادة الحوثية، لكنه يحطم "نظرية الحصانة الحوثية" من الاختراق.
 
وأضاف جلال أن إسرائيل غيّرت منذ منتصف يونيو الماضي استراتيجيتها من استهداف البنى التحتية إلى استهداف القيادة العليا للحوثيين بهدف رفع كلفة هجماتهم على إسرائيل، متوقعًا استمرار الضربات النوعية مستقبلاً.
 
ويرى أن تأخر إعلان مقتل الغماري يعود للتوازنات الداخلية داخل الجماعة ومخاوف من تصدعات في البنية العسكرية، مقارنة بما تفعله إيران أو حزب الله عند مقتل قادتها.
 
إنكار الاختراق
 
في الوقت الذي تحاول فيه القيادة الحوثية الحفاظ على حياة زعيمها عبدالملك الحوثي من خطر الاغتيال، برزت أولويات أخرى تمثلت في نفي الاختراق والتصدع داخل المليشيا.
 
وقال الباحث هشام المسوري إن اتهامات الحوثي لموظفي الغذاء العالمي تمثل "محاولة للهروب من مواجهة الحقيقة الداخلية التي تهدد تماسك الجماعة"، مشيرا إلى أن حديث الحوثي عن خلية تجسس أممية هو "رسالة موجهة للقاعدة الداخلية للجماعة لتأكيد أن الخطر خارجي لا داخلي".
 
كما أشار موظفون حوثيون سابقون إلى أن العلاقات الوثيقة بين قيادات الجماعة والمنظمات الأممية خلال السنوات الماضية خلقت بيئة اختراق متبادلة، كما كتب الموظف السابق محمد الشهاري في صفحته على فيسبوك.
 
وتوعد عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير بالكشف عن مزيد من التفاصيل حول "دور موظفين أمميين في التجسس"، رافضًا أي تدخلات خارجية تقلل من روايته.
 
ويرى المسوري أن الحوثيين قد يجعلون من موظفي المنظمات "كبش فداء" لتغطية الاختراق الداخلي، وربما يصل الأمر إلى تنفيذ إعدامات بحق عدد منهم، كما حدث عام 2021 عندما أعدمت الجماعة تسعة أشخاص من تهامة بتهمة التورط في اغتيال صالح الصماد عام 2018.
 
وفي سبتمبر الماضي، أدى تدخل من سلطنة عمان إلى إطلاق سراح موظفة أردنية كبيرة كانت الجماعة اختطفتها بعد عملية اغتيال الحكومة الحوثية، فيما يبدو أن حديث الحوثي العلني عن “دور مزعوم لموظفي الأمم المتحدة” موجه لثني المجتمع الدولي عن أي محاولات إنقاذ جديدة.
 
تصدع داخلي
 
من المرجح أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيدًا في القمع الحوثي، سواء في المجال الإعلامي أو الأمني، مع منع الحديث عن القتلى والجرحى العسكريين والمدنيين، وتشديد الرقابة على تداول المعلومات، بل وقد تمتد الإجراءات إلى داخل البنية الحوثية ذاتها.
 
وكان مشعل الريفي، رئيس مؤسسة الكهرباء في مناطق سيطرة الحوثيين، قد كتب في سبتمبر الماضي أن "الاحتلال مخترق مليشيا الحوثي تكنولوجيًا وبشريًا"، مشيرًا إلى أن أهدافًا سرية قصفت دون أي تسريب إعلامي، وهو ما يعكس حجم الاختراق.
 
فبينما تحاول القيادة الحوثية إعادة صياغة الرواية عبر اتهام الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بالتجسس، تشير كل الدلائل إلى أن الاغتيال كشف اختراقًا استخباراتيًا خطيرًا داخل الجماعة، وأجبرها على فتح جبهة عداء جديدة مع شركائها الإنسانيين.
 
وفي ظل تصاعد الارتباك الداخلي والتضارب في الخطاب، يبدو أن الحوثيين يواجهون مرحلة غير مسبوقة من الانكشاف الأمني والتصدع التنظيمي، ما يجعلهم أكثر هشاشة أمام الضربات المقبلة، وأكثر شراسة تجاه الداخل والمجتمع المدني والمنظمات الأممية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى