أخبار إيجاز

فورين بوليسي: ما التداعيات المحتملة للضربات الإسرائيلية التي استهدفت قيادة الحوثيين؟

فورين بوليسي: ما التداعيات المحتملة للضربات الإسرائيلية التي استهدفت قيادة الحوثيين؟

نيويورك -

تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية عن التداعيات المحتملة للغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قيادة الحوثيين في صنعاء، معتبرة أن العملية لم تُغيّر موازين القوة ميدانيًا، لكنها ألحقت بالجماعة خسائر نفسية ورمزية غير مسبوقة، إذ كسرت صورة "الحركة التي لا تُمس" والتي اعتمدت عليها طويلاً.

ضربات رمزية بأبعاد سياسية

فقدت الجماعة اثني عشر عضوًا في حكومتها المعينة، بينهم رئيس الوزراء أحمد الرهوي وعدد من الوزراء البارزين مثل وزراء الخارجية والعدل وحقوق الإنسان والثقافة والزراعة والإعلام.

ورغم أن هذه الأسماء لم تكن جزءًا من الدائرة الصلبة للقيادة الحوثية، فإن سقوطها أحدث صدمة في الوعي العام اليمني، إذ ظهر للمرة الأولى أن الحوثيين ليسوا محصنين من الاختراق والضربات.

وتوضح المجلة في تقرير لها، أن الرهوي، الذي عُيّن رئيسًا للوزراء في أغسطس/آب 2024، لم يكن يتمتع بثقل سياسي حقيقي، وإنما جرى اختياره لرمزيته؛ فهو جنوبي في حركة يسيطر عليها حصريًا نخب شمالية طائفية. وجوده كان يهدف إلى إضفاء مظهر الشمولية على حكومة تمثل في حقيقتها غطاءً لسلطة عائلية مغلقة.

ثقافة الاستبدال

تقول فورين بوليسي إن النظام الحوثي بُني على آلية تجعل المناصب العليا قابلة للاستبدال. الوزراء ورؤساء الحكومات والمتحدثون الرسميون مجرد واجهات يمكن التضحية بهم. أما مراكز السلطة الفعلية — مثل عبد الملك الحوثي نفسه، ورئيس الأركان اللواء محمد عبد الكريم الغماري، والأجهزة الأمنية والاستخباراتية — فما تزال تعمل بكامل طاقتها.

حتى داخل الحكومة الشكلية، كان الوزراء تحت مراقبة صارمة من قبل مخبرين موالين للنواة الزيدية الطائفية، ما خلق طبقات من الرقابة المتبادلة التي تمنع أي استقلالية حقيقية.

ولذلك فإن مقتلهم لم يشل الجماعة، بل جرى امتصاصه سريعًا داخل سردية "الاستشهاد" التي تستغلها الحركة منذ مقتل مؤسسها حسين الحوثي عام 2004.

كسر أسطورة "الحصانة"

رغم أن الضربات لم تستهدف القيادة العليا مباشرة، إلا أن وقعها النفسي كان بالغًا. لسنوات، روّج الحوثيون لفكرة أنهم قادرون على امتصاص أي ضربة والخروج منها أقوى.

لكن مشهد عبد الملك الحوثي وهو يلقي خطابًا مسجلاً في الوقت الذي كان وزراؤه يُقتلون، فضح هشاشة هذه الأسطورة وأثار تساؤلات بين اليمنيين حول مدى قدرة الجماعة على حماية نفسها.

كما أثارت العملية أسئلة محرجة داخل الحركة بشأن عمق الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي، وهي تساؤلات تتجاوز العملية ذاتها إلى الشكوك في اختراق منظومة الحوثيين الأمنية.

التعتيم والتناقضات

أكّدت الجماعة مقتل الرهوي بعد يومين من الضربة فقط، فيما فرضت تعتيماً إعلامياً صارماً، وشنّت حملة تضليل لطمس حجم الخسائر. إلا أن تبادل التعازي على شبكات التواصل الاجتماعي أفشل محاولات الإنكار.

المفارقة أن الرهوي نفسه كان قد أعلن قبل ثلاثة أيام من مقتله أن "النظام مطهّر من الخونة"، في خطاب ترافق مع موجة اعتقالات تعسفية شملت موظفي الأمم المتحدة.

هذا التناقض، برأي المجلة، يعكس جنون العظمة المؤسسي لدى الحوثيين، الذين يديرون مئات من مرافق الاحتجاز غير القانونية ويحتجزون آلاف السجناء السياسيين.

صمت إقليمي ورسائل سياسية

تُلفت فورين بوليسي إلى أن الضربات أحدثت تحولًا في المواقف الإقليمية. فالحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، وحتى أطراف إقليمية اعتادت إدانة العمليات الإسرائيلية، التزمت الصمت هذه المرة.

بل إن الحكومة اليمنية استغلت الحدث لتذكير العالم بمحاولة الحوثيين استهداف مجلس الوزراء اليمني في مطار عدن عام 2020، والتي أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى.

هذا الصمت، وفق المجلة، يحمل دلالة على قبول ضمني أو ربما اعتراف غير معلن بأن إسرائيل قامت بما لم تستطع قوى أخرى إنجازه: توجيه ضربة مباشرة إلى قلب السلطة الحوثية. في المقابل، اقتصرت الإدانات الرسمية على إيران وحزب الله.

خلصت فورين بوليسي إلى أن الضربات الإسرائيلية لم تغيّر موازين القوى العسكرية، لكنها هزت الأساس النفسي والرمزي للجماعة. فقد كشفت عن ضعف الغطاء السياسي الذي تستخدمه الحوثيين لشرعنة حكمهم، وأظهرت هشاشة أسطورة "اللا مساس"، في وقت يتواصل فيه الضغط الداخلي والخارجي على الحركة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى