من المتوكل الى شرف الدين.. ميليشيا الحوثي تفشل في إدارة جامعة العلوم "المنهوبة" وتعين ثلاثة رؤساء خلال خمس سنوات
من المتوكل الى شرف الدين.. ميليشيا الحوثي تفشل في إدارة جامعة العلوم "المنهوبة" وتعين ثلاثة رؤساء خلال خمس سنوات

صنعاء -
عينت السلطة التابعة لمليشيا الحوثي رئيساً جديداً لجامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء التي تعد كبرى الجامعات الأهلية في البلاد ويعد ثالث رئيس تعينه المليشيا للجامعة منذ استكمال وضع يدها على الجامعة بقوة السلاح عام 2020.
وحسب النص المنشور على موقع جامعة العلوم في صنعاء فإن الدكتور "القاسم محمد عباس"، قد تم تعيينه رئيساً للجامعة وذلك بعد أسابيع قليلة من اسبتعاده من رئاسة جامعة صنعاء.
وظهر "القاسم عباس شرف الدين" في اجتماع لـ"مجلس جامعة العلوم والتكنولوجيا – صنعاء"، عقب عملية استلام وتسليم جرت، يوم الإثنين، بينه وبين سلفه المعيّن السابق من قبل ميليشيا الحوثي أيضاً "خالد أحمد صلاح".
اللافت في الأمر أن القاسم عباس، وأثناء ترؤسه لجامعة صنعاء، شن حرباً ضد أساتذة هيئة التدريس الذين يعملون في جامعات خاصة إلي جانب عملهم في جامعة صنعاء بهدف تحسين أوضاعهم المعيشية، وسبق أن أصدر تعميماً لمنع كوادر جامعة صنعاء من التدريس في الجامعات الخاصة، لكنه في الوقت نفسه سارع لتولي رئاسة أكبر الجامعات الأهلية في اليمن.
خلافات متواصلة وإدارات متعددة
بعد خمس سنوات من استيلاء ميليشيا الحوثي على جامعة العلوم والتكنولوجيا – كبرى الجامعات الأهلية في اليمن – وسيطرتها على إدارتها ومستشفاها ونهب مواردها، وفرض قرارات تعسفية شملت نهب مستحقات وإقالة عدد كبير من الموظفين وطرد آخرين وسجن بعضهم، أقدمت الميليشيا في يناير 2020 على اختطاف رئيس الجامعة، الدكتور حميد عقلان.
جاء اختطاف البروفيسور حميد عقلان عقب أوامر مباشرة من قيادات مقربة زعيم الميليشيا عبد الملك الحوثي، أبرزهم ذراعه الذي كان يعرف بالحارس القضائي، صالح الشاعر، الذي نشر مندوبيه في مختلف المؤسسات التي نهبتها الميليشيا منذ 2014، بعضهم شبان فُرضوا في مواقع عليا دون خبرة أو مؤهلات.
وعقب اختطاف الدكتور عقلان، الأكاديمي البارز والإداري المحنك، فرضت سلطة الحوثيين الدكتور عادل المتوكل (أكاديمي محدود الخبرة) رئيساً لجامعة العلوم وذلك بعد فترة وجيزة من تعيينه رئيساً لجامعة آزال، التي سبق أن استولى الحوثيون عليها بالكامل، بحجة أن بعض المساهمين فيها يقيمون في الخارج.
ومنذ عام 2020، استمر عادل المتوكل في منصبه رئيساً لجامعة العلوم، التي فقدت شهاداتها الاعتراف بعد استيلاء الحوثيين عليها.

ومع مرور الوقت، تقلّصت صلاحيات عادل المتوكل تدريجياً، حتى باتت توجيهاته تُرفض أو تُجمّد ما لم تُوقّع من قبل القيادي الحوثي عبد العزيز الحاج، المعيّن من الحارس القضائي نائباً لرئيس الجامعة منذ يوليو 2022، بعد أن شغل سابقاً منصب مندوب الحارس القضائي في الجامعة. وفُرض الحاج في منصب النائب نتيجة لصراعات داخلية بين أجنحة الميليشيا حول الموارد المالية للجامعة.
ووفقاً لمعلومات سبق أن حصل عليها 'المصدر أونلاين' فإن عبد العزيز الحاج ينتمي إلى محافظة صعدة، وكان يتمتع بنفوذ واسع داخل جامعة العلوم، هو الذي يوجه ويأمر وينهي، وكان ويمارس أيضا انتهاكات واسعة بحق الموظفين وصل بعضها حتى الاعتداء عليهم والوشاية بهم.
وكان الحاج يتلقى توجيهاته مباشرة من أحمد حامد، مدير مكتب مهدي المشاط وأحد المقربين من زعيم الجماعة، وعلى الأرجح أنه كان ينتمي إلى التشكيلات العسكرية التابعة للحوثيين، لا يمتلك أي خلفية أكاديمية.
وقد انعكس الصراع بين جناحي الحوثيين في صنعاء وصعدة على الموارد والنفوذ داخل جامعة العلوم ومؤسسات أخرى، ما أدى إلى انهيار كبير في بنية هذه الصروح العلمية الرائدة، التي كانت تُعد من أبرز المؤسسات التعليمية في اليمن.
الصراع بين "الحاج" و"المتوكل" يعكس أزمات عميقة داخل الجماعة منذ سنوات، واشتد النزاع بينهما منذ أواخر 2022 حتى بلغ ذروته في الربع الأول من 2023.
ومع تصاعد التوتر، التزم المتوكل منزله، بينما سيطر الحاج على إدارة الجامعة، مما أدى في نهاية العام إلى فرض رئيس جديد للجامعة.
مصادر مطلعة أكدت لـ'المصدر أونلاين' أن ميليشيا الحوثي حاولت إعادة رئيس جامعة السابق الدكتور حميد عقلان إلى منصبه، إلا أنه رفض ذلك، مشترطاً رفع يد الجماعة عن موارد الجامعة، وتسديد الالتزامات المالية المتراكمة عليها منذ اختطافه وسطوهم عليها بقوة السلاح، وكان ذلك في العام 2023.
وفي ديسمبر 2023، ظهر شخص يدعى خالد أحمد صلاح كرئيس جديد لجامعة العلوم، وهو الآخر مدعوم من أحمد حامد، وخلال عام ونصف من رئاسته، عمل على تحويل الجامعة، كما فعل سابقوه، إلى ثكنة عسكرية تُستغل قاعاتها في الدورات العسكرية، ويُجبر موظفوها على حضور هذه التدريبات وتدريبات أخرى خارجية، كما تُستخدم حافلات الجامعة لنقل عناصر ميليشيا الحوثي على مدار العام إما للتظاهرات او للتنقل إلى صعدة ومحافاظات أخرى.
وحسب ما نشر في موقع الجامعة فإن صلاح "حاصل على دكتوراه في الشريعة والقانون من جامعة القاهرة وهو عضو في هيئة التدريس بجامعة صنعاء، وهو الآخر يخفي لقبه مثل "القاسم عباس"، لكن على الأرجح أنه من عائلة هاشمية ممن يستحوذون على الامتيازات والمناصب المهمة.
من هو القاسم عباس الذي فرضه الحوثيين رئيسا جدبداً لجامعة العلوم؟
اسمه القاسم محمد عباس شرف الدين، وهو من محافظة المحويت وينتمي إلى الدائرة المقربة من قيادات ميليشيا الحوثي، ومن بينهم أحمد حامد ومحمد علي الحوثي.
بعد الانقلاب الحوثي، تم تعيينه في 13 مايو 2015 من قبل ما تسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، التي يرأسها الحوثي، كعضو في لجنة رعاية الجرحى وأسر قتلى الميليشيا، ممثلاً لمنظمات المجتمع المدني، وفقاً لما نشرته وكالة سبأ التابعة للحوثيين.
وفي ديسمبر من نفس العام، شارك القاسم عباس في فعالية نظمها ما يسمى "ملتقى الطالب الجامعي"، حيث ظهر تحت مسمى عميد كلية طب الأسنان في جامعة صنعاء. كما شغل أيضاً منصب رئيس ما يسمى "الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث" التابعة للحوثيين.
وفي أبريل 2018، عينه الحوثيون وكيلاً لوزارة التخطيط في حكومة الميليشيا، مع استمراره في رئاسة الهيئة الحوثية المذكورة.
وفي خطوة مفاجئة، قام "المجلس السياسي الأعلى للحوثيين" بتعيين القاسم محمد عباس شرف الدين رئيساً لجامعة صنعاء، وكان ذلك في مايو 2019، استمر في المنصب ذاته حتى أبريل الفائت.
تقول مصادر أكاديمية إن تعيين القاسم عباس من قبل الحوثيين كرئيس لجامعة صنعاء كان صادماً بالنسبة لهم حيث لم يمض على حصوله على شهادة الدكتوراه أكثر من 8 سنوات، خاصة في ظل وجود مئات الكوادر المؤهلة التي تدرجت وظيفياً وأكاديمياً في هذا الصرح العلمي الضخم على مدى سنوات طويلة.
وأكدت المصادر أن تعيين عباس جاء لأسباب سياسية وأمنية بامتياز، وعلى الأرجح كان الهدف منه رصد النخبة داخل هذا المركز التعليمي ومتابعتهم، مشيرة إلى أن التعيين لا يستند إلى مؤهلات أكاديمية أو خبرات علمية معروفة، وعكس تعيينه حينها رغبة الجماعة المسلحة في الهيمنة على المؤسسات التعليمية، ما أدى فعلياً إلى ترهيب الكوادر الأكاديمية وهجرة البعض منهم، وتراجع مستوى الأداء، وهو ما تسبب في ضعف الإقبال على الجامعة، وإغلاق بعض الأقسام، ودمج أخرى بسبب قلة الطلاب.
تقول مصادر مطلعة لـ"المصدر أونلاين" إن جامعة صنعاء، الصرح العلمي الأبرز حكومياً في اليمن، عاشت أسوأ فتراتها خلال رئاسة القاسم شرف الدين، حيث تعرض الوسط الأكاديمي والموظفون لانتهاكات ممنهجة استمرت ستة أعوام، قضت على ما تبقى من حقوقهم المشروعة.
وحسب المصادر فقد انتشر الفساد المالي وتزايد التذمر بين الكادر الأكاديمي، مع تصاعد حالات التهديد والترهيب التي شملت إرغامهم على المشاركة في الفعاليات الحوثية، وحضور دورات تستمر لأكثر من شهر، بالإضافة إلى إصدار مئات الشهادات الجامعية المزورة بمختلف مستوياتها لصالح قيادات وعناصر الميليشيا.
المصدر : المصدر اونلاين