القبضة الخفية: كيف يقود علي حسين الحوثي منظومة القمع الداخلي لمليشيا الحوثي؟
القبضة الخفية: كيف يقود علي حسين الحوثي منظومة القمع الداخلي لمليشيا الحوثي؟

صنعاء -
في ظل الضربات الجوية التي بدأتها الولايات المتحدة وبريطانيا على مواقع لمليشيات الحوثي ردا على هجماتها البحرية، اتخذت المليشيا الإرهابية المدعومة من إيران إجراءات صارمة لإحكام قبضتها الأمنية داخل مناطق سيطرتها شمالي اليمن.
وفي قلب هذه الآلة القمعية الجديدة، تبرز شخصية المدعو "علي حسين بدر الدين الحوثي"، نجل مؤسس المليشيا، كمهندس لمنظومة أمنية أكثر بطشًا وتنظيمًا، تمثلت في إنشاء جهاز استخبارات الشرطة، الذي يُعد اليوم الذراع الأكثر نفوذاً وبطشًا داخل بنية المليشيا الإرهابية.
استخبارات الشرطة: الذراع الجديدة للبطش
أُعلن عن إنشاء "جهاز استخبارات الشرطة" في مارس 2024، ككيان أمني موازٍ لجهاز الأمن والمخابرات. غير أن الفارق الأهم يكمن في تركيبته الاجتماعية؛ إذ جرى تجنيد عناصره من طبقات اجتماعية أقل نخبوية، خلافًا لجهاز المخابرات الذي تحتكره القيادات الهاشمية.
هؤلاء المجندون خضعوا لدورات عقائدية مشددة وتم إعدادهم ليكونوا أداة مرنة وشرسة بيد القيادة الحوثية في إخضاع المجتمع.
يتولى علي حسين الحوثي -الذي ينتحل رتبة لواء- الإشراف المباشر على الجهاز، الذي لا يقتصر نشاطه على المهام الأمنية التقليدية، بل يشمل الرصد المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي، وتوجيه حملات اعتقال ممنهجة تستهدف النشطاء والمثقفين، بل وحتى موظفي الدولة الذين يُشتبه في عدم ولائهم للمليشيا.
كما يتحرك الجهاز بسرعة لقمع أي أصوات معارضة، باستخدام تكتيكات تقوم على الترهيب، والتشهير، والاختطاف.
قمع داخلي
شكل العامان 2024 و2025 منعطفًا حاسمًا في مسار المواجهة العسكرية بين الحوثيين من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى، عقب تصاعد الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وردود الفعل العسكرية الغربية، ومنها غارة أبريل 2025 التي استهدفت مواقع في رأس عيسى.
وبينما انشغل العالم بالمواجهات في المياه الدولية، شهدت المدن اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين حملة اعتقالات موسعة طالت موظفين حكوميين، ولا سيما في مدينة الحديدة، حيث تم اختطاف مسؤولين في شركة النفط الوطنية، ضمن حملة وصفت بأنها "مجزرة إدارية"، نفذها جهاز استخبارات الشرطة بالتنسيق مع جهاز الأمن والمخابرات بقيادة عبدالحكيم الخيواني، المعروف بلقب "أبو الكرار".
جاءت هذه الحملة نتيجة تصاعد الشك والريبة داخل قيادة الجماعة، التي باتت تنظر إلى كل فرد في مؤسسات الدولة كاحتمال قائم للتمرد أو التخابر.
تفكيك مؤسسات الدولة عبر حملات الاعتقال
منذ مطلع العام الجاري، أصبح جهاز استخبارات الشرطة أداة رئيسية في ضرب مؤسسات الدولة المتبقية في تذلك المناطق وتفكيكها من الداخل. تم اختطاف عدد من مسؤولي شركة النفط في الحديدة، من بينهم أحمد طالب مدير العلاقات العامة، والدكتور طارق النجار، ورامي جناب نائب المدير التجاري.
كما امتدت الحملة إلى ذمار، حيث اعتُقل أدباء وصحفيون، أبرزهم عبدالوهاب الحراسي والحقوقي محمد اليفاعي، في حملة نفذها جهاز البحث الجنائي بقيادة العقيد علي فراص، التابع للجهاز الجديد.
في صنعاء، تم الزج بعدد من الناشطين في السجون بسبب منشورات على فيسبوك تناولت قضايا فساد، أبرزهم الناشط المعروف بـ"آل ياسين"، والخبير في هيئة المواصفات محمد المليكي، الذي أُفرج عنه لاحقًا بعد ضغوط اجتماعية ووساطات قبلية.
الفساد والابتزاز
إلى جانب مهامه الأمنية، انخرط جهاز استخبارات الشرطة في أنشطة فساد وابتزاز ممنهج. ووفق تقرير صادر عن "مركز متابعة الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن"، فإن الجهاز تحول إلى كيان يعمل خارج القانون، يُشرف على شبكة معقدة من الجبايات وعمليات الابتزاز ضد موظفين ورجال أعمال ومواطنين عاديين.
يعتمد الجهاز على مجاميع محلية تُجنَّد لجمع المعلومات، ورفع بلاغات كيدية، تُستخدم لاحقًا لإجبار الأفراد على دفع مبالغ مالية أو التعاون مع الجماعة. هذه الأساليب خلقت مناخًا من الرعب في الأحياء السكنية، وأدت إلى شلل مجتمعي يمنع حتى أبسط أشكال التضامن المدني.
وفي موانئ الحديدة، توسعت أنشطة الابتزاز لتشمل تحصيل إتاوات غير قانونية من السفن التجارية، وفرض رسوم خفية على التجار، في حين تتم مصادرة بعض الشحنات دون أوامر قضائية، وكل ذلك بإشراف مباشر من علي حسين الحوثي، وفق ما تؤكده تقارير محلية ومصادر بحرية.
السيطرة الناعمة
إلى جانب نفوذه الأمني، يسعى علي حسين الحوثي لتكريس حضوره في المجال المدني، كجزء من استراتيجية التعبئة الناعمة. ففي ديسمبر 2024، تم تعيينه رئيسًا لنادي شعب صنعاء، في خطوة هدفت إلى تعزيز حضوره بين فئة الشباب، وتحويل الأندية الرياضية إلى أدوات دعائية للجماعة.
كما كثف حضوره في الفعاليات العامة، ومنها معارض "شهداء الأمن" في صنعاء وذمار وصعدة، وشارك في زيارات ميدانية إلى مديريات حدودية برفقة قيادات أمنية بارزة، في مؤشر على سعيه للعب دور مركزي في إعادة تشكيل البنية الأمنية للمناطق الخاضعة للجماعة.
طبقتان أمنيتان: نخبة تتحكم وقواعد تقمع
تقوم المنظومة الأمنية الحوثية على تقسيم طبقي دقيق؛ إذ تتولى "النخبة الهاشمية" قيادة جهاز الأمن والمخابرات والإشراف على الملفات السياسية العليا، فيما يُكلف جهاز استخبارات الشرطة بالقمع الميداني وتنفيذ الأوامر القاسية.
هذا التوزيع يُمكّن المليشيا من الاحتفاظ بالسلطة العليا داخل دائرة مغلقة، مع تفويض المهام التنفيذية لعناصر من الطبقات الدنيا، ما يكرّس الولاء عبر تمكينهم من أدوات القمع والبطش.
دولة بوليسية تحت الإنشاء
في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى تطورات البحر الأحمر وصراع المصالح الدولية، تُبنى في الداخل اليمني بنية بوليسية معقدة، يقودها علي حسين الحوثي، الذي يُجسد مزيجًا من الأمن، والعقيدة، والفساد، والسيطرة الاجتماعية.
وبالتالي فإن ما يسمى جهاز استخبارات الشرطة ليس مجرد كيان أمني جديد، بل هو نواة لدولة قمعية حديثة، تُستخدم فيها التكنولوجيا، والدين، والإعلام، والسلاح، لإعادة هندسة المجتمع على مقاس الجماعة الإرهابية، وتفريغه من أي مقاومة أو صوت مستقل.
ومع اتساع نفوذه على المستويات الأمنية، الاقتصادية، والاجتماعية، يرسّخ نجل مؤسس المليشيا الإرهابية موقعه كأحد أعمدة السلطة الحقيقية في بنية الحوثيين، وواجهة لما يبدو أنه مشروع سلطوي طويل الأمد، لا يتردد في سحق أي معارضة، ولو كانت داخل بيت الطاعة نفسه.